قصص الأنبياء قصة هود عليه السلام

قصص الأنبياء قصة هود عليه السلام

مساكن عاد وآلهتهم

يفهم من القرآن أن مساكن عاد  كانت بالأحقاف ، قال الله تعالى :  «وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ» . والاحقاف جمع حقف وهي الرمال ، ولم يعين القرآن موقعها ، إلا ان الإخباريين يقولون : ان موقعها بين اليمن وعمان الى حضرموت والشحر .

وقد بنت ( عاد ) مدينة اسمها ( إرم ) وهي التي جاء ذكرها في القرآن : «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ». ويرجح علماء الآثار بناء على تنقيبات كثيرة ان موضع إرم هو جبل (رم ) ويقع على مسافة ٢٥ ميلاً الى الشرق من العقبة ، وقد وجدت في جانب الجبل آثار جاهلية قديمة .

وقد ذكر الإخباريون أن عاداً عبدوا أصناماً ثلاثة يقال لأحدها : صداء وللآخر : صمود ، وللثالث : الهباء هذه لمحة موجزة عن عاد ذكرناها لنجعلها مدخلا للكلام عن نبي الله هود.

الدعوة الى الله

دعا هود قومه الى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام لأن ذلك سبيل لاتقاء العذاب يوم القيامة « وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ» .

هذا وقد كانت (عاد) تعتقد أن الأصنام شركاء الله، وأنها تشفع لهم عند الله فقال لهم هود: انتم كاذبون في هذا الادعاء لأنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده .«وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ» .

ولكن ماذا كان تأثير هذه الدعوة على قبيلة ( عاد ) ؟ لقد احتقروا هوداً و استصغروا شأنه، ووصفوه بالسفه والطيش والكذب، ولكن هوداً نفى هذه الصفات عن نفسه مؤكداً لهم انه رسول من رب العالمين لا يريد لهم غير النصح .

«قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ» .

التذكير بنعم الله

تابع هود مخاطبة قومه محاولاً اقناعهم بالرجوع الى طريق الحق مذكراً إياهم بنعم الله عليهم ، فقال : هل أثار عجبكم واستغرابكم أن يجيئكم إرشاد من ربكم على لسان رجل منكم لينذركم سوء العاقبة بسبب الضلال الذي انتم عليه ؟ 

ألا تذكرون ان الله جعلكم وارثين للأرض من بعد قوم نوح الذين أهلكهم الله بذنوبهم ، وزادكم قوة في الأبدان وقوة في السلطان . وتلك نعمة تقتضي منكم ان تؤمنوا بالله وتشكروه ، لا أن تكفروا به ، فنصيحتي لكم ان تذكروا فضل الله عليكم لعلكم تفوزون بالسعادة في الدنيا والآخرة.

«أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» .

ولكن قوم هود لم يقوموا بحق الشكر لنعم الله عليهم ، بل انغمسوا في الشهوات ، وتكبروا في الأرض ، فقال لهم هود : مالكم تقيمون فوق كل ربوة بناء شامخاً للتفاخر والعبث ، وتنشئون قصوراً في منتهى الفخامة شأن الذين يرجون الخلود في الأرض، وتبطشون بطش الجبابرة ولا ترحمون حين تغضبون ، تفعلون كل ذلك بغلظة المستكبرين ، فاتقوا الله فيما امركم واطيعوني فيما أدعوكم اليه من هدى . 

يا قوم اتقوا الله الذي اعطاكم الخيرات الجليلة من بنين وانعام ، وحدائق ومياه ، فلا تقابلوا نعم الله بالكفر والبطر والجبروت فيحل عليكم عذابه ويهلككم .

محاورة الوثنيين

رفضت قبيلة ( عاد ) الانصياع لدعوة هود وأصر زعماؤها على عبادتهم لأوثانهم وخاطبوا هوداً: إنك لم تأتنا بحجة واضحة على صحة ما تدعونا اليه. وما نحن بتاركي عبادة الهتنا ، وما نحن لك بمصدقين، وإنا نرى أن بعض الهتنا مستك بشر فصرت تهذي بأقوال باطلة .

أجابهم هود : أشهد الله على صدق ما أقول ، وأشهدكم أني بريء من الشرك الذي انتم فيه ، فتعاونوا انتم والهتكم على الكيد لي ثم لا تؤخروا عقابي لحظة إن استطعتم ، إني لا أبالي بما تأتمرون لأني اعتمدت على الله مالك أمري وأمركم . 

فما من كائن حي إلا وهو مالك امره ومتصرف فيه ، إن أفعال ربي تجري على سنن الحق والعدل ، فإن اعرضتم عن دعوتي لم يضرني اعراضكم فقد أبلغتكم ما أرسلني الله به اليكم، والله قادر على اهلاككم والمجيء بقوم آخرين غيركم يخلفونكم في دياركم ، إن ربي مهيمن على كل شيء .

قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك ، وما نحن لك بمؤمنين . إن نقول إلا اعتراك  بعض الهتنا بسوء، قال: إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون . من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون . 

 «إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ، فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ۚ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ» .

ثم إن عاداً ضجروا بهود ودعوته وتبرموا من كثرة نصحه لهم ولم يتركوا عبادة آلهتهم الى عبادة الله الذي يدعوهم اليه ، وتحدوه أن ينفذ فيهم إنذاره ووعيده، عند ذلك قال لهم نبي الله هود لا بد ان يقع عليكم غضب الله فانتظروا عذاب الله إني معكم من المنتظرين .

«قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ» .

في هذا النص القرآني ايضاً نرى الاستعباد الروحي يسيطر على قوم هود حيث تقليد الآباء سلبهم حرية النظر والتفكير ، كما نرى قوة حجة هود حين حول الهتهم الى مجرد أسماء كأن ليس لها مسميات في عالم الحقيقة ، ولا تبلغ ان تكون شيئاً وراء الأسماء التي تطلق عليها ، هذه الأصنام لا دليل فيها على ألوهيتها ولا تتضمن قوة تثبت بها وجودها .

دعوة الى التوبة

انحبس المطر عن قوم هود سنين ثلاثاً بعد دعوتهم الى الهدى واعراضهم عنه، وكان ذلك انذاراً بقرب حلول العذاب عليهم، وفي هذه الأثناء إن هود لا يفتأ يعظ قومه ويقول لهم : ادعوا خالقكم ان يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم ، ثم ارجعوا اليه بالتوبة ، إنكم إن فعلتم ذلك يرسل لكم المطر متتابعاً ، فتكثر خيراتكم كما انه يزيدكم قوة الى قوتكم ، وإياكم ان تعرضوا عما أدعوكم اليه وتصروا على الكفر والإجرام .

«وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ» .

نجاة المؤمنين وهلاك الكفرة

بعد انحباس المطر ثلاث سنين جاء أمر الله بإنزال العذاب بقوم هود بعد أن جحدوا رسالة نبيهم واستمروا على كفرهم وطغيانهم ، فنجي الله هوداً والذين آمنوا معه من ذلك العذاب وأهلك القوم المجرمين . «وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ» 

أما كيفية نجاته فإن القرآن لم يبين لنا ذلك ، ويرى بعض المؤرخين أن نجاة هود كانت باعتزال قومه بعد يأسه من قبول دعوته وذهابه مع من آمن به الى مكة وهناك عاش فيها امداً ثم مات هناك ودفن . 

اما عاد فقد سلط الله عليهم ربحاً عاصفة تتابعت سبع ليال وثمانية أيام فهلكوا وتناثرت جثثهم على الأرض . كما يطرح النخل الخاوي المنتزع من جذوره واستؤصلوا جميعاً ، ولم يبق منهم احد ، واصبحوا لا يرى إلا مساكنهم .

قال تعالى : «وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ، فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ». ويقول تعالى : «وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ، مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ» .

تعليقات