قصة قابيل وهابيل وإدريس : والحسد وأثره المدمر

قصة قابيل وهابيل  الحسد وأثره المدمر

قصة قابيل وهابيل

قابيل وهابيل ولدا آدم عليه السلام، روى القرآن قصتهما لما فيها من عبر وحكم ينتفع بها المؤمنون . وكان قابيل رجلاً ذا شخصية مريضة تمتزج بها عناصر الشر وتسيطر على تصرفاتها دواعي الطمع والإثم والتمرد على حكم الحق ، وكان اخوه هابيل رجلاً صالحاً تقياً يطمئن للحق، وقد وقع بينه وبين اخيه خلاف وصراع يقع مثله عادة بين البشر ويتكرر على مدى الحياة ابداً ، انه صراع بين الخير والشر الذي انتهى بأن قتل قابيل أخاه هابيل .

 سبب وقوع النزاع بينهما

وفي سبب وقوع النزاع بينهما قولان :

أحدهما : أن هابيل كان صاحب غنم ، وقابيل كان صاحب زرع فقرب كل واحد منهما قرباناً ، فاختار هابيل أحسن شاة كانت في غنمه وجعلها قرباناً ، واخذ قابيل شر حنطة في زرعه فجعلها قرباناً ، ثم تقدم كل منهما بقربانه الى الله فنزلت نار من السماء فأكلت قربان هابيل و تركت قربان قابيل ، فعلم قابيل ان الله قبل قربان أخيه ولم يقبل قربانه فحسده وقتله.

وثانيهما : ما روي أن آدم عليه السلام كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى ، وكان يزوج البنت من بطن بالغلام من بطن آخر، فولد أولاً قابيل مع توأم أنثى ، وبعدها ولد هابيل وتوأمه الانثى، وكانت توأم قابيل أحسن الناس وجهاً فأراد آدم ان يزوجها من هابيل فأبى قابيل ذلك وقال أنا احق بها وهو أحق بأخته وليس هذا من الله تعالى وإنما هو رأيك، فقال آدم عليه السلام لهما : قربا قرباناً فأيكما قبل قربانه زوجتها منه فقبل الله تعالى قربان هابيل بأن انزل علی قربانه ناراً ، فالتهمته ، فقتل قابيل اخاه حسداً له .

ذكر قربان هابيل وقابيل في القرآن 

وإلى عدم قبول قربان قابيل اشار القرآن بقوله :(وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ (27) لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (28) إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثۡمِي وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ ٱلظَّٰلِمِينَ (29) فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ  ) المائدة 

لنقف قليلاً عند قوله تعالى :فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ )لقد كانت كلمة التقوى الجارية على لسان هابيل وهو يخاطب اخاه قابيل جديرة بأن تقضي على إرادة الشر في نفسه ، ولكن هيهات فقابيل ليس من أهل التقوى والطاعة فلذلك لم يقبل الله قربانه ، والحسد الذي غمر قلبه جعله طافحاً بالعزم على قتل اخيه.

ثم ننتقل الى قوله تعالى وهو يحكي على لسان الأخ المظلوم : لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ). هنا تتراءى لنا نفسية هابيل الخيرة التي خالطتها التقوى وسيطر عليها الخير فهي تأبى ان تقابل السيئة بمثلها، لأن القتل لا يتفق مع صفاتها وشمائلها، فهي تخاف الله رب العالمين ، ومن يخاف الله لا يعتدي على احد ، فخيفة الله اعظم رادع عن الاجرام على هذه الأرض ، فإذا عرف المربون والمصلحون ان يوجهوا الناس إلى الإيمان بالله ومراقبته في أعمالهم والخوف من معصيته حصلوا على المجتمع المتماسك الذي يسوده السلام .

ولكن قابيل الذي سيطر عليه الشر نفذ فعلته الشنيعة : فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ )فالصراع لم يكن بين قابيل وهابيل ولكن الصراع كان بين قابيل وبين نفسه الأمارة بالسوء، وبينه وبين النوازع الشريرة والإرادات الخبيثة ، وكان الواجب ان يعمد قابيل الى هذه الأهواء فيكبح جماحها ويتخلص من أسرها ، ولكنه عجز امام ضعفه ، وطغيان شهواته ، وتحوّل اجرامه الى قتل اخيه وهذا أعنف ضروب الحسد.

لقد كان الحسد أول ذنب عصي الله تعالى به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض ، أما في السماء فحسد ابليس آدم ، وأما في الأرض فحسد قابيل هابيل .

درس من الغراب

ولما قتل قابيل أخاه تركه لا يدري ما يصنع به ، فبعث الله غرابين اقتتلا فقتل احدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة ولما رأى قابيل الغراب يدفن الغراب الآخر رق قلبه ولم يرض ان يكون أقل شفقة منه فوارى اخاه تحت الأرض وهو متحسر متلهف نادم على فعلته قائلاً في نفسه : أفأكون أقل شفقة من هذا الغراب ، وهذا ما ذكره الله بقوله:( فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابٗا يَبۡحَثُ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُرِيَهُۥ كَيۡفَ يُوَٰرِي سَوۡءَةَ أَخِيهِۚ قَالَ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَٰرِيَ سَوۡءَةَ أَخِيۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّٰدِمِينَ ) .

نبوة إدريس

إدريس من الانبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن ، قال تعالى : ( وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ) الأنبياء : ٨٥ . وقال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا ) (1) ) مريم : ٥٦ ٠ ٥٧ فالقرآن وصفه بصفات هي : الصبر ، والصدق ، ورفعة المنزلة .

وخلاصة أقوال العلماء فيه أنه أول من نزل عليه الملك جبريل بالوحي لهداية نسل (قابيل) ليرجعوا عن غيهم وكفرهم ، ويتوبوا الى الله ، ويسيروا حسب شريعته .

والقرآن لم يذكر شيئاً مفصلاً عن حياته وتعاليمه ، كما انه ليس هناك سند تاريخي ثابت عن حياته ، وأبرز من تعرض للكلام عنه كتاب ( تاريخ الحكماء )  الذي سننقل عنه بعض مما جاء فيه ، ننقلها لا على أنها حقائق ثابتة بل من باب الاطلاع.

اختلف الحكماء في مولده ومنشئه فقالت فرقة ولد بمصر وسموه هرمس الهرامسة ومولده بمنف، وقالوا هو باليونانية أرميس وعرب بهرمس. وهو عند العبرانيين خنوخ وعرب اخنوخ وسماه الله عز وجل في كتابه العربي المبين إدريس. وخرج هرمس ( أي ادريس ) من مصر وجاب الأرض كلها ثم عاد اليها ورفعه الله اليه وذلك بعد اثنتين وثمانين سنة من عمره .

وقالت فرقة أخرى: إن ادريس ولد ببابل وبها نشأ، وأنه أخذ في أول عمره بعلم شيث بن آدم وهو جد جد ابيه. ولما كبر إدريس آتاه الله النبوة فنهى المفسدين من بني آدم عن مخالفتهم شريعة آدم وشيث، فأطاعه أقلهم وخالفه أغلبهم، فخرج هو واتباعه حتى وافوا مصر .

وأقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الخلائق الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة الله عز وجل ، كما قد قيل : انه دعا الى دين الله والقول بالتوحيد وعبادة الخالق وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة بالعمل الصالح في الدنيا، وحض على الزهد في الدنيا والعمل بالعدل ، وأمرهم بصلوات ذكرها لهم على صفات بينها ، وأمرهم بصيام أيام معروفة من كل شهر ، وحثهم على الجهاد لأعداء دينهم ، وأمرهم بزكاة أموالهم معونة للضعفاء.

وكان على فص خاتمه : الايمان بالله يورث الظفر . وكان على المنطقة التي يلبسها وقت الصلاة على الميت : السعيد من نظر لنفسه ، وشفاعته عند ربه أعماله الصالحة

من أقوال إدريس عيه السلام

  • لن يستطيع أحد أن يشكر الله على نعمه بمثل الإنعام على خلقه.
  • إذا دعوتم الله سبحانه فأخلصوا النية وكذا الصيام والصلوات فافعلوا .
  • لا تحسدوا الناس على مؤاتاة الحظ فإن استمتاعهم به قليل.
  • من تجاوز الكفاف لم يغنه شيء .
  • حياة النفس في الحكمة.
تعليقات